“فن الدِيكُوبَاجْ” (découpage) كلمة فرنسية الأصل، وتعني بشكل حرفي “أن يَقُصّ” وهو فنّ يعتمد على تزيين الأشياء المختلفة باستخدام قصاصات الورق، وأساليب التلوين، والتفاصيل والزخرفة مع طبقات متكررة من الغراء والورنيش،
فنّ الدِيكُوبَاجْ يحول الأسطح العادية القديمة ذات التصاميم المملة إلى قطعه تحكي قصه ما، تعكس الذوق الشخصي للفنّان من خلال طريقته في استخدام الأدوات والألوان ودمج العناصر المختلفة مع بعضها البعض، وبالتالي يمكن استخدام فنّ الدِيكُوبَاجْ في أفكار وأسطح لا نهائية، لكن يشتهر استخدامه في الأثاث والصناديق الخشبية والأواني المنزلية بكل أحجامها وأشكالها، كما يستخدم كثيراً في الأدوات الزجاجية كالصحون والمزهريات والصناديق المعدنية والفخار والأقمشة والجلود والخوص
عُرف فنّ الدِيكُوبَاجْ بأنه فنّ الفقراء “l’arte del povera”، وكانت بدايته في القرن الأول الميلادي تحديداً شرق سيبيريا، حيث وجد عدد من التصاميم على اللباد الجوخ لتزين قبور البدو السيبيريين.

بدء فنّ الدِيكُوبَاجْ في- الصين حيث ابتكر الفلاحون الصينيون -نظراً لعدم قدرتهم على شراء قطع أثاث جديدة-هذه الوسيلة لتجديد محتويات وأثاث منازلهم، وتفنّنوا في لصق أوراق زاهية المنظر، كأوراق الجرائد، والصور، وكل ما تطاله أيديهم، كما زينّوا النوافذ والفوانيس وصناديق الهدايا بقطع أوراق ملونة، ليظهر العمل كتحفة فنّية رائعة، تأسر النفس والعين بروعة.

ثم انتقل فنّ الدِيكُوبَاجْ ل -أوروبا
وبالتحديد في ألمانيا وبولندا، فاستخدم الحرفيون الألمان والبولنديون قصاصات الورق لتزيين لقرون عديدة، ومن المعروف أن النساء والأطفال البولنديين كانوا يتمتعون بمهارة كبيرة في طي الأوراق الملونة، ويقطعونها على أشكال الحيوانات والزهور والطيور المنمقة ولصقها للزينة
ولا زلنا في أوروبا، وفنّ الدِيكُوبَاجْ في فرنسا . داخل البلاط الملكي الفرنسي، الملكة ماري أنطوانيت، حسناء فرنسا، كانت تمارس فنّ الدِيكُوبَاجْ كمتعة شخصية لها، وأيضا اللورد بايرون، وحتى ماتيس وبيكاسو كانوا جميعا يمارسون هذا الفنّ تحت اسم “decoupeurs”.
وننتقل إلى -انجلترا
في نهاية القرن السابع عشر ظهرت في انجلترا امرأة تدعى ماري ديلاني، أحدثت ماري ضجة كبيرة في الأوساط الأرستقراطية عندما بدأت في عمر الثانية والسبعين بابتكار أسلوب جديد في فنّ “الكولاج” وهو فن موازي لفنّ الدِيكُوبَاجْ من خلال خلق قطع فنّيه من قصاصات الورق (فسيفساء ورقية)، مكوّنة وروداً بخلفية سوداء اللون، حتى وصلت لمسامع الملك جورج الثالث الذي عاين أعمالها، لكن لم تستطيع ماري أن تكمل هدفها بأن تصنع 1000 قطعة فسيفساء ورقية وتوقفت عند القطعة رقم 985 بسبب ضعف بصرها، وبالإمكان معاينة أعمال ماري ديلاني في المتحف البريطاني الوطني، وفي هذا العصر أصبح فنّ الدِيكُوبَاجْ هو سمة الطبقات الراقية، حيث استخدم في تزين الجدران والأسقف والأثاث.

في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ميلادي
أصبح فنّ الدِيكُوبَاجْ منتشر للعامة والخاصة على حد سواء، واستخدمه بعض الفنّانين المشهورين أمثال ريدوت (Redoute) في أعمالهم الفنية، ونشر روبورت ساير كتاباً عنه مما زاد في شهرته.

في العصر الحديث وخاصة في القرنين العشرين والواحد والعشرين ميلادي
في هذين العصرين المتقدمين، تطوّر فنّ الدِيكُوبَاجْ حيث اكتشف الفنّانون طرقًا جديدة لتحسينه، وفي عام 1972 تم تشكيل نقابة Decoupage الوطنية في الولايات المتحدة، وهي مسؤولة إلى حد كبير عن عودة ظهوره.

وهكذا نكون قد ممرنا سريعا عبر العصور المختلفة، ووقفنّا على تاريخ تطوّر فنّ الدِيكُوبَاجْ ، وجدير بالذكر أن فنّ الدِيكُوبَاجْ لا يدرس كمقرر في أي من كليات الفنّون كمقرر أكاديمي منفصل، بل إننا قد أجرينا مسحاً على معظم كليات الفنّون في جمهورية مصر العربية، فوجدنا أن فنّ الدِيكُوبَاجْ يدرّس فقط باقتضاب كفقرة تاريخية في مقررات تاريخ الفنّون، ولا يدرّس تطبيقيا بأي حال من الأحوال رغم أهميته، كما وجدنا أنه ربما يستعان به في القليل من المشروعات الدراسية في تلك الكليات.

اترك تعليقاً